هل قال الأنبا أنطونيوس للشياطين (( أنا أضعف من أصغركم )) - قراءة نقدية لتراث شعبي مسموع إعداد: مينا ميلاد


باديء ذي بدء نقول أننا لا نختلف اطلاقا في ان الاتضاع فضيلة روحية هامة ،، و اساسية جدا ، ولا غنى عنها في الحرب مع العدو
نحن نتبع مار اسحق قوله ان الكمال هو لُجة من التواضع ،
و نتبع القديس انطونيوس في تأكيده أن المتضع هو الذي ينجو من فخاخ العدو ( قوله السابع)
داود لم يكن متكبرا حينما تقدم لمواجهة جليات وقت ان تقاعس الملك و قواد الجيش .. و لم يكن غير متضع عندما داس على جليات بقدميه
و يشوع هل كلن بلا اتضاع لأنه قال لقواد جيشه (( تقدموا ، و ضعوا أرجلكم على اعناق هؤلاء الملوك )) يش 10 : 24
الاتضاع المطلوب لهزيمة العدو ، ليس ابدا الاتضاع له بل الاتضاع امام الله
و للحقيقة الخالصة ، فليس من نص واحد في الكتاب المقدس او قول موثوق به من اقوال الآباء يدعو للإتضاع امام الشيطان .

اما عن القصة الشائعة و التي تقول ان القديس انطونيوس قال للشياطين ( انا اضعف من اصغركم ) فلا تستند الى الى مرجع يمكن الإطمئنان إليه .
(تابع بالأسفل)


فليس كل ما يكتب من قصص الآباء هو حقا قد حدث ... و كم يجب ان نشكر الله كثيرا من أجل العلماء الذين يبذلون مجهودا سخيا مستخدمين أحدث الطرق العلمية في فحص المخطوطات و مقارنتها معا كي يميزوا بين ما هو أصيل و بين ما هو دخيل ، بين ما حدث فعلا و بين ما دسّته الأيادي عبر العصور ... 

أما نحن فعلينا أن نمتحن ما نقراه في ضوء عده أمور ، فالقصة المقبولة لا بد و ان يتوافر فيها هذه الشروط :
1- ان لا تتعارض مع أي مبدأ كتابي
2-  ان لا تتعارض مع التقليد العام
3-  ان لا تتعارض مع السلوك العام لصاحبها أو مع اقواله الموثوق فيها .. 

و هذه القصة تتعارض تعارضا صارخا مع اقوال الكتاب المقدس و اتجاه التقليد العام و كذلك مع اتجاه الانبا انطونيوس في حروبه الروحية طوال حياته ،
و بإستطاعتك ان تقرأ بنفسك سيرته التي دوّنها معاصره البابا اثناسيوس المشهود له بدقه التعبير و أمانة النقل . .. 
هذه السيرة تقول لنا ان القديس انبا انطونيوس كان دائما يحارب الشياطين و هو يستهزيء بهم و يسخر منهم و لم تكتب لنا موقفا واحداً واجه فيه انبا انطونيوس الشياطين بالاتضاع لهم

و هذه بعض من مقتطفات مما كتبه البابا أثناسيوس تؤكد ما نقول
- " لنحتقر الأرواح الشريرة بلا خوف "
Life of Antony 
N. & P.N.F. , Ser. 2 , vol. IV p. 204 
- "لنحتقر الشيطان المضل أكثر و أكثر "
Ibid., 37 , p. 206 
- "مرة ظهر شيطان طويل القامة جداً بعظمة وتجرأ على القول : أنا هو قوة الله ، أنا هو العناية الإلهية ماذا تريد أن أعطيك ؟ ،، أما أنا فنطقت باسم المسيح و هممت أن ألطمه و بدا لي أنني لطمته بالفعل . و حالما سمع اسم المسيح اختفى و معه كل شياطينه "
Ibid, 40, p. 207 
- "يجب ان نحتقره مع شياطينه بكل ما تعنيه كلمة احتقار ... و إذ قد عرفنا ضعفه نقوى على احتقاره "
Ibid. , 42, p. 207 
- و كان أنبا انطونيوس يقول للشيطان: "المسيح قد أتى حقاً و جعلك ضعيفا و طرحك و عراك "
Ibid. , 41 , p. 207 
- "ابليس .. انت حقير جداً أنت أسود القلب .. أنت عديم القوة مثل طفل صغير "
Ibid. , 6, p. 197 

- اذا ما رأى الشيطان ان المسيحيين عامة يتقدمون روحيا و يحبون الجهاد يسعى الى تجربتهم نصايب لهم عثار في الطريق ، اي افكار شريرة ، فلا تخافوا من هجماتهم لأنهم يهزمون حالا بالصلوات و الأصوام و الايمان بالرب ،، لكنهم لا يتوقفون عن الهجوم

يجب ، اذن ، ان نخاف الله وحده و ان نحتقر الشياطين بلا خوف . بل كلما أكثرت من فعل هذه الأمور ، يجب ان نكثف جهادنا ضدها ، لأن السلاح الكبير ضد الشياطين هو حياة مستقيمة و ايمان بالله
أتت مرة الشياطين مهدّدة فأحاطت بي كالجنود المدججين بالسلاح . و مرة ملأت البيت بالاحصنة و الوحوش و الزحافات ، أما انا فكنت أرتل (( هؤلاء بالمركبات و هؤلاء بالخيول ، اما نحن فباسم الرب الهنا نتعظم )) مزمور 19 "

كما لم تأتِ القصة الشائعة التب تعاكس كل هذه الأقوال في أي مرجع رهباني موثوق به عن حياة الأنبا أنطونيوس ،، فلم تأتِ
في سيرة أنطونيوس للقديس اثناسيوس
life of Antony 
و لم يذكرها كتاب ابوفثجماتا باتريم
the Apophthegmata 
و لم تأتِ ايضا في كتاب هيستوريا موناخوروم
Historia Monachorum in Aegypto 
كذلك لا توجد في فصل الاتضاع في مجموعة اقوال الآباء القديسين
the sayings of the Holy fathers 
و ايضا لم تأتِ في اسئلة و اجوبة الآباء
the questions and answers of the holy men 
و لم يذكرها الأب دورثيئوس
Dortheos of Gaza 
من القرن السادس في اقتباساته من سير الآباء عن الاتضاع

من أين أتت هذه القصة الشائعة ؟ .... 
إنها تحريف للقصة الحقيقية التي ذكرها لنا النبع الأول و المرجع الرئيسيس لسير انبا انطونيوس و هي السيرة التي كتبها معاصره الأنبا اثناسيوس ... 
فالقصة التي رواها انبا اثناسيوس تجعلنا نرفض هذه القصة الشائعة و نحن مطمئنين تماما إنها لم تحدث
إننا عندما نقرأ القصة الحقيقية من مرجعها الذي يعلو فوق كل شبهة سنخرج بتعليم آخر يضاد الإتضاع للشياطين
يروي لنا القديس أثناسيوس ، انه لما كان عمر انبا انطونيوس خمسة و ثلاثين عاما ، ظهرت له الارواح الشريرة في شكل حيوانات متوحشة اسود و دببة و نمور و ثيران و افاعي و عقارب و ذئاب
و ابتدأ كل حيوان يتحرك حسب طبيعته و بدأوا يهمون بالهجوم عليه ،،
فقال و هو يهزأ بالشياطين : لو كنتم تملكون أيه قوة يكفي ان يأتي حيوان واحد منكم ،
لأن الرب جعلكم عديمي القوة ،
لذلك حاولتم أن تخيفوني بجمهرتكم ،،
لكن علامة ضعفكم هي تقليد لأشكال الحيوانات غير الناطقة . ،،،
هنا تشجع انطونيوس أكثر و قال : إن كنتم ذوي قدرة أو ان حصلتم على قوة ضدي ،، فلا تتأخروا في الهجوم عليّ ، و ان كنتم لا تقدرون علي فلماذا تهتاجون عبثا ؟ فإن سوري و حصني هو إيماني بالرب


انظروا لم يقل لهم انبا انطونيوس ( انا اضعف من اصغركم ) بل قال (الرب جعلكم ضعفاء)

لا يختلف اثنان في أهمية الاتضاع ،، ففقدانه يحرم المؤمن من التمتع بالشركة مع الله و بذلك يُعرضه للسقوط كما حدث مع حواء .؟.
تأملوا معي
اعطانا السلطان ان ندوس الحيات و العقارب و كل قوة العدو
أي شيء لك لم تأخذه ، و ان كنت اخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ 1 كو 4 : 7

الاتضاع الحقيقي ليس التنكر لما اعطاه الله لنا من هبات و امتيازات بل هو احساس القلب بالذوبان امام محبة الله العاطية " صغير أنا عن جميع ألطافك " تك 32 : 10
 ===========================
يقول القديس مكاريوس الكبير
ملك وجد فتاة فيرة ترتدي اسمالا بالية ...
لم يستنكف منها بل خلع عنها هذه الاسمال القذرة ...
غسلها من سوادها ،
زينها بملابس أنيقة ،
و جعلها شريكة له في المُلك .
اعطاها مكانا على مائدته لكي تشارك مأدبته
هذا ما فعله الرب ، وجد النفس جريحة مضروبة ،، فأعطاها علاجا و ازال عنها ثيابها السوداء و عار الشر
و ألبسها ملابس ملوكية سماوية من التي له ،،
وضع تاجا على رأسها و جعلها شريكة له على مائدته الملوكية للفرح و البهجة ..
لذا اعرف سموك لقد دُعيت الى الكرامة الملوكية
كم انت ثمين
أنت اخ للمسيح
أنت صديق للملك
أنت عروس للعريس السماوي

St. Macarius, Hom: 27:3,4,1 – 15:43

=========================================
أيضا نقرأ من رسالة تركها القديس انبا شنودة رئيس المنوحدين
_________________________
يقول العلامة دي بورجيه P.Du Bourguet
أن القديس أنبا شنودة يقدم في هذه الرسالة فلسفة واضحة جدا و في مجموعها مقدمة في عرض جيد جدا ،، انه يظهر كلاهوتي بارع و فريد في كثير من تعبيراته التي تتغذى دائما من القديس بولس الرسول و القديس انطونيوس ،،،

و يكمل : ان النظرية اللاهوتية التي يأخذ بها شنودة هي نظرية القديس بولس الرسول ،
فهو لا يستهين بشر الشيطان و ينظر في موضوعه من نواحي و زوايا مختلفة ،،
الشيطان له سلطان فقط على الاجساد ،، فلا سلطان له على الارواح الا بما تعطيه هذه الارواح له ، مهما يكن الشكل الذي يتخذه ،

لأن السيد المسيح الذي غلب الشيطان يحمي المؤمنين ، و هم أعضاء في جسده المقدس و يمكنهم دائما التعرف على الشيطان و مقاومة تجاربه .

انك دودة ماصة للدماء و لكنها لا تشرب الا الدم الذي يروق لها ... انك مفترس و لكنك لا تستطيع ان تلتهم الا الشباعى . انك ثعبان و بقوة السيد المسيح يتطهر الأمناء من سمك بل يسحقون رأسك و يقطعونك و يهلكونك ، ، فلا يمكن ان يخشى احدهم جثة ميتة .

تجاربك أيها العدو ليس لها سلطان إلا بالمشاركة الإرادية للناس المجربين ،، و الأمراض التي ترسلها اليهم لا تصلهم الا بسماح من الله .
اني اهاجمك أيها الشيطان ولا تستطيع ان تفعل شيئا . بينما يستطيع ملاك أن يُهلك .
انت لا تُسقط الا الذين يريدون السقوط ولا يعرفون رحمة الله

اني اقول هذا ضدك ايها الروح النجس
من تكون انت مع كل شرورك أمام قوة الله الكائنة في الانسان الذي يجتهد في فعل الخير ؟؟ ،،، لا تغتر بخداعك لناس النيام الذين سلبتهم و كنست بيوتهم ، تعال ضد اليقظين الذين يسهرون .

الذي يهرب من شرورك لا يعود يبالى بوجودك ،،،
الذين يعرفونك لا يبالون بخيالاتك الليلية او النهارية ، و هم لا يخافون البتة ، كيف يخافون من جثة هامدة ؟ ،،
أيخافون من جندي قطع الملك يديه و رجليه و اخذ منه سيفه و اسلحته فجعله غريبا عن مكان اقامته ؟ ،،
نعم حاربه ، و لكنه في كرمه تركه حيا الى اليوم الذي يرى ان يقضي عليه فيه

اني اجحدك و اشتمك و اقول ذلك ضدك و اكثر من ذلك أيضا بالنهار و بالليل و في كل وقت ولا تجد ما تفعله بي ،، لأنه لو كان في مقدورك ان تفعل شيئا – و لم تدركنا معونة المسيح – لما كنت تمتنع .

الآن و بعد ان عرضنا مقتطفات من اقوال القديس انبا انطونيوس و القديس انبا مكاريوس و القديس انبا شنودة
هل نستطيع التمييز بين التقليد الارثوذكسي و بين التراث الشعبي السماعي ؟

كلمة اخيرة أود ان اختم بها هذا الموضوع و هي ذات صلة به
القديس يوحنا الدرجي

من لا يقاتل عدوه فقد صار له صديقا
السلم 15 : 62

___________________________________
المراجع
********
- و هو غلبوه - ايبارشية المنيا و ابو قرقاص
- سيرة أنطونيوس بقلم أثناسيوس - بحسب النص الأصلي للصورة - اعداد القمص انطونيوس فهمي جورج
- أيقونة الأنبا انطونيوس و كيف نقرؤها - القمص أنطونيوس حنين -
- أنطونيوس الكبير - منشورات النور - نقلا عن الاصل اليوناني - من اعمال الأب ميشال نجم
- حياة القديس أنطونيوس حسب ما كتبة القديس أثاسيوس - قراءة الأب جوزيف ترزي - حسب الترجمة العربية للسريان الارثوذكس
- رسائل القديس العظيم الأنبا أنطونيوس - اصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية
- القديس العظيم الأنبا أنطونيوس - رسائله ،،، تعليمه ،،، سيرته - كنيسة السيدة العذراء مريم - نيوجرسي
- مهاجمة القديس العظيم أنبا شنودة رئيس المتوحدين للشيطان - عن أقدم الوثائق التاريخية - أرشيدياكون يوسف حبيب

Comments

  1. بحث جميل فعلا ويكفى انة وضح عدم خوف الانبا انطونيوس من الشيطان وحتقارهم
    ولكن الكتاب يقول : اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ.
    فالأنبا انطونيوس يقول للشياطين انا اضعف من اصغركم اذ اعتمدت على قوتى الخاصة
    ولكن المسيح جعلكم تحت الأقدام
    فهنا يتضع الانبا انطونيوس ويلغى نفسة ويقدم المسيح وهنا يعترف انة بقوتة الشخصية هو اضعف من اصغرهم ولكن بقوة المسيح يحترقهم ويهزمهم

    فالأمران صحيحان ولا تعارض ان الشيطان ضعيف امام المسيح امام قوة الرب العلى وليس بقوتنا الشخصية
    امين

    اندراوس عبدالمسيح

    ReplyDelete

Post a Comment